إعداد الباحثة
منال أبو الهنا
التدقبق اللغوي
عريب أبو الهيفاء
مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة الفسرية
2024-2025
مقدمة
للأردن تاريخ حافل في استقبال اللاجئين على مر الأزمان، فقد كان الوجهة الأولى لكثير من المستضعفين والمهجّرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن. وقد كان ذلك لعوامل كثيرة، أولها، موقعه الجغرافي المتوسط، لكن موقعه المتوسط لم يكن العامل الوحيد لجعله الوجهة الأكثر قصدا، وهذه العوامل كثيرة لعل أبرزها تميزه بسمعة استقبال طيبة، وبيئة ثقافية متنوعة، وحكومة داعمة ومعطاءة، كما أن الأردن عرف ببذله الجهد الكبير لدعم اللاجئين وحمايتهم.
بدأ تاريخ اللجوء إلى الأردن في بداية القرن العشرين، في العهد العثماني، حين كانت المنطقة جزءا من الإمبراطورية العثمانية التي كانت وجهة للعديد من الشعوب والقبائل التي جاؤوها بحثًا عن الأمان والحماية. ومنذ تلك الأيام، وعلى مر السنين، استمرت الحكومة الأردنية في التزامها بتقديم الدعم والرعاية للمهاجرين واللاجئين، مما جعل الأردن وجهة مهمة للمنظمات الدولية والجهات الإنسانية، في توفير الإغاثة والمساعدة لهؤلاء الأشخاص في وقت الحاجة.
وفي بداية القرن العشرين، في ظل الحروب العالمية وانهيار الدول الإسلامية القديمة، شهد الأردن تزايدًا في عدد اللاجئين والمهاجرين الذين يبحثون عن مكان يحتمون به من ويلات بلادهم، فاستقبل الأردن موجات من اللاجئين الشركس والشيشان الذين فروا من الاضطهاد الذي تعرضوا له في بلدانهم. وكانت هذه الموجات جزءا من تدفقات الهجرة التي شهدتها المنطقة بسبب انهيار الإمبراطورية العثمانية وتغيرات الحدود والنظم السياسية. وقد وجد الشركس والشيشان ملجأهم في الأردن، حيث قدم لهم الدعم والمساعدة لإعادة بناء حياتهم وتأسيس مجتمعاتهم في هذا البلد.
ومع اندلاع النكبة عام 1948 وحرب عام 1967، ونتيجة للعدوان الإسرائيلي، شهد الأردن توجه مئات الآلاف من الفلسطينيين إليها، هربًا من الموت والاضطهاد. وكان لهذا التوجه تأثيرا كبيرا على تاريخ اللجوء إلى الأردن، إذ أدى وصول هذه الموجة الضخمة من اللاجئين إلى تشكيل مجتمع فلسطيني واسع في الأردن، وأثر تأثيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية طويلة الأمد على المجتمع الأردني.
وخلال فترة الربيع العربي التي بدأت في عام 2010، شهد الأردن تدفقًا كبيرًا للاجئين السوريين الذين فروا من الصراع المدمر في بلادهم. بالإضافة إلى السوريين، وصل إلى الأردن أيضًا، بعض من اللاجئين من ليبيا واليمن والعراق وغيرها من البلدان العربية التي شهدت اضطرابات سياسية وأمنية خطيرة.
المجموعات العرقية والدينية في الأردن
تتشكل غالبية سكان الأردن من مجموعات عرقية عربية معظمها من المسلمين السنّة، أشهرها هم الشركس، والأكراد، والتركمان، والشيشان، والأرمن. لكن الأردن معروف أيضا بتنوعه الديني كما العرقي، فنجد أن هناك عددا كبيرا من الأردنيين يدينون بالديانة المسيحية، وهم ثاني مجموعة دينية نسبةً للعدد السكان. بالإضافة إلى وجود طوائف دينية أخرى كالدرزية مثلا. ومن الجدير بالذكر أن الدولة الأردنية، تدعم جميع المكونات الثقافية والدينية والعرقية، المكونة للنسيج المجتمعي الأردني.
الشركس
هم سكان مرتفعات القوقاز الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين، كانوا يسمون بـ"الأديغا"، حتى أطلق عليهم اليونان لفظ "الشركس" فتبنى العالم هذه التسمية. يدينون الإسلام، ويختلفون عن العرب من الناحية الإثنية. يتواجدون اليوم في عدد من الدول العربية مثل: سوريا، والأردن، ولبنان، ومصر، وليبيا، وفلسطين. وتعود أسباب تواجدهم في المنطقة العربية إلى الوقائع التي جرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إذ استعان العثمانيون وقتئذ بقدرات الشركس الحربية في المعارك التي كانت تخوضها الإمبراطورية مع أعدائها، كذلك، استعانوا بهم للمشاركة في قمع الحركات الثائرة في بعض المناطق الخاضعة لنفوذ الإمبراطورية.
لكن التواجد اللافت للشركس في المنطقة العربية حدث نتيجة موجات من الهجرة الشركسية في بدايات القرن العشرين، والتي كان سببها الاضطهاد الذي تعرضوا له خلال حرب 1877، ورفضهم نمط الحياة الاشتراكية الذي جاءت به ثورة أكتوبر، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بدينهم وطقوس عبادتهم. وأجبروا على الرحيل إلى سوريا وشرق الأردن، إثر غزو الروس لتركيا. وكان أول من استوطن منهم، فيما يُعرف بالأردن اليوم، أفراد من قبيلة شابسوغ في عام 1878.[1] يتكلم الشركس، في الأردن، بلغتهم الأم، كذلك لهم تقاليدهم الخاصة والمميزة، أما موسيقاهم ورقصاتهم فهي من الملامح الثقافية معروفة بين باقي الأردنيين، ويعدون من مسلمين السنّة. وقد اندمجوا بشكل كامل في المجتمع الأردني، من خلال الزيجات المختلطة والتعليم الموحد. ومثل غيرهم من الأقليات، يتمتعون بالمواطنة الكاملة وحقوق سياسية متساوية.
الأكراد
تشير التقديرات إلى وجود 30,000 كردي في الأردن، بما فيهم أولئك الذين استقروا في الأردن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر، والربع الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى الذين جاؤوا من فلسطين كلاجئين في حرب عام 1948 وعام 1967. ويشكّل الأكراد الذين يعيشون في مختلف المدن والبلدات، في جميع أنحاء البلاد، جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للأردن، ويدين معظمهم بالإسلام وينتمون للسنة على وجه التحديد.
التركمان
ينتمون إلى قبيلة قره تكالي، وانتقل جزء من سكان هذه القبيلة إلى أضنة عام 1870 في أعقاب خلافات دامية بين القبائل هناك. ثم انتقلوا بعد ذلك، إلى دمشق ثم إلى حيفا، وأخيراً إلى البلقاء عام 1874. اختار معظمهم العودة إلى تركيا عام 1935، لكن بعض العائلات بقيت في الأردن، ولم يتجاوز عددهم 25,000 نسمة. واستطاعوا أن ينسجموا مع النسيج الأردني لتقارب في الدين فهم من السنّة، ولتقارب في بعض العادات والتقاليد.
الشيشان
جاء الشيشان إلى الأردن، من القوقاز أيضا، تحديدا من جبالها المليئة بالغابات، إذ كانت الظروف المعيشية في هذه الجبال صعبة للغاية، لكنهم هاجروا من وطنهم بعد اشتباكات مع الروس عام 1905، وأمضوا سنة في الأناضول، قبل أن ينتقلوا إلى الأردن في عام 1907. وهم من المسلمين السنّة، ومعظمهم من أتباع الطريقة النقشبندية، وهي واحدة من الاتجاهات الصوفية المعروفة. يقدر عددهم في الأردن بـ 15,000 نسمة.
الأرمن
هاجر الأرمن إلى ما يعرف اليوم بالأردن، نتيجة للاضطهاد السياسي الذي مارسته الإمبراطورية العثمانية في السنوات الأخيرة، تحديدا، خلال الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1948، كان يقدّر عددهم بنحو 16,000نسمة، لكن غادر العديد منهم الأردن إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، بسبب ارتفاع معدل البطالة في أوائل سبعينات القرن العشرين، فانخفض عددهم إلى 4,000نسمة. ورغم اندماج أرمن الأردن في الثقافة الوطنية السائدة، إلا أنهم كغيرهم من الأقليات احتفظوا بشعور قوي بهويتهم وحافظوا على لغتهم وثقافتهم الأصلية، ويتضح هذا الاندماج في مستويات عدة، بما فيها قبول الزواج المختلط، والانتماء للمؤسسات الاجتماعية العربية، وغيرها من المستويات. وغالبية الأرمن في الأردن من المسيحيين الأرثوذكس.
المسيحيون
للمسيحيين جذور عميقة في الأردن، إذ يُعتقَد بأن يسوع المسيح قد عُمِدَ فيها. وتواجدهم في الأردن يعود إلى العصور المبكرة. وامتزجوا بشكل جيد مع أصحاب المعتقدات الدينية الأخرى. ومن الصعب التمييز بين المسيحيين والمسلمين في الأردن، لاشتراكهم في الكثير من العادات الحياتية والسمات الثقافية.
ووفق أحدث تقديرات الكنيسة الكاثوليكية، التي صدرت عشية الزيارة البابوية إلى الأردن والأراضي المقدسة عام 2009، فإن نسبة المسيحيين في الأردن تبلغ 3-4%. وتقلص عددهم في الأردن في الآونة الأخيرة من 250,000 نسمة إلى حوالي 170000-190000 نسمة، نتيجة للضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والمهنية، إضافة إلى الهجرة الطبيعية إلى البلدان الأكثر جاذبية. [2]
الدروز
يقدر عددهم بحوالي 15,000 نسمة في الأردن. يعيش معظمهم في منطقة الأزرق، وهي واحة في الصحراء الغربية في الأردن. أما بقيتهم فيعيشون في عمان وغيرها من المدن الكبرى. بدأ الدروز بالانتقال إلى الأردن من جبل الدروز (الذي يقع بالقرب من منطقة الأزرق في جنوب سوريا) بسبب الاحتلال الفرنسي لسوريا الكبرى بين الحربين العالميتين. ورغم اندماج الدروز في الثقافة الأردنية، إلا أنهم ما زالوا يحملون ملامح خاصة من ثقافتهم ومعتقداتهم المختلفة.
القوانين المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء
تحظى حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بالحماية من قبل القانون الدولي، بغض النظر عن طريقة وصول هؤلاء إلى بلد ما، أو سبب هجرتهم أو لجوئهم. ولهؤلاء الحقوق نفسها التي للآخرين، إضافة إلى أشكال خاصة ومحددة من التدابير الحماية الخاصة بهم، ومن هذه القوانين:
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، "المادة 14"، والتي تنص على أنه "لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد".
- اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين المبرمة في 1951 والبروتوكول الملحق بها لسنة 1967، اللذان يوفران الحماية للاجئين من أن يعادوا إلى بلدان يمكن أن يتعرضوا فيها لخطر الاضطهاد
- الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990
- المعايير القانونية الإقليمية الخاصة باللاجئين بما فيها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لسنة 1969، وإعلان كارتاخينا لسنة 1984، والنظام الأوروبي العام للجوء- نظام دبلن[3].
حركات اللجوء المختلفة إلى الأردن
اللجوء الفلسطيني
تُعرِّف الأونروا اللاجئين الفلسطينيين بأنهم "أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران 1946 وحتى أيار 1948، وهم الذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948". أما في تعريفها لللاجئ تقول: هو "الشخص الذي يتواجد خارج البلد الذي يحمل جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف، له ما يبرره، من التعرض للاضطهاد بسبب العنصرية، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل/ تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد[4]".
أما النازح، فهو مفهوم سياسي ظهر بعد حرب حزيران ١٩٦٧ من أجل تجزئة حق العودة للفلسطينيين المهجرين عن وطنهم. وبصورة عامة فان تعبير النازحين يطلق على المهجرين الفلسطينيين عام ١٩٦٧ بغية تمييزهم عن مهجري عام ١٩٤٨. ومع هذا فإن بعض النازحين هم من أصحاب الصفة المزدوجة، أي إنهم يحملون صفة اللجوء والنزوح في آن واحد، فقد كان بين من نزح عام ١٩٦٧ من لجئ سابقا في عام١٩٤٨. [5]
حق المواطنة مع الاحتفاظ بمسمى لاجئ
في أبريل/نيسان 1950 أصدر مجلس الأمة الأردني قرار الوحدة بين ضفتي الأردن الشرقية والغربية، واجتماعهما في دولة واحدة هي "المملكة الأردنية الهاشمية"، فأصبحت الضفة الغربية تابعة للأردن رسميا. ومنح هذا القرار اللاجئين الفلسطينيين الجنسية الأردنية، واعتُبروا مواطنين أصليين في الدولة، يحصلون على كافة حقوق المواطنة، سواء كانوا يعيشون في المخيمات أو خارجها؛ مما أتاح لهم فرصة الاندماج في المجتمع الأردني اندماجا تاما، دون حاجتهم لتخلي عن هويتهم الوطنية الأصلية.
وعند فك الارتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية في تموز/ يوليو 1988 أصبحت حقوق المواطنة الكاملة، حصرا، للمقيمين الذين يحملون رقم تعريف مدني ودفتر عائلة، ويحملون جوازات سفر مدتها خمس سنوات، سواء كانوا من الضفة الشرقية أو من أصل فلسطيني ويعيشون في الأردن بشكل دائم (أي المملكة الأردنية كما حُدِدَت إقليمياً عام 1988).
وللجوء الفلسطيني في الأردن خصوصيته، فرغم أن اللاجئ الفلسطيني يتمتع بالجنسية الأردنية، والمواطنة الكاملة، إلا أنه ما زال يتمسك بحق العودة إلى دياره، ويراه حقا غير قابل للتصرف ولا يسقط بمرور الزمن. وهذا ما أكدته الأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 194 الصادر في ديسمبر 1948 وأعادت تأكيده 130 مرة منذ عام 1948 باعتبار الشعب الفلسطيني شعباً طرد من أرضه، وله الحق في العودة كشعب وليس كمجموعة أفراد متضررين من الحروب مثل حالات كثيرة أخرى. وهذا الاعتبار فريد من نوعه في تاريخ الأمم المتحدة، ولا يوجد له نظير في أي حالة أخرى، لذا يجب التمسك به بكل السبل، وهذا ما تحرص الأردن على فعله من أجل الحفاظ على والوجود الفلسطيني وحمايته من الزوال.
المخيم في تعريف وكالة الأونروا
إن المخيم عبارة عن قطعة من الأرض وضعت تحت تصرف الحكومة المضيفة بهدف إسكان اللاجئين الفلسطينيين وبناء المنشآت للاعتناء بحاجاتهم.
في عام 1948 وبعد اندلاع الحرب العربية الاسرائيلية الأولى أو ما تعرف بالنكبة الفلسطينية، اضطر ما يقارب 750ألف فلسطيني إلى هجرة وطنهم، نتيجة لعمليات التهجير القسري التي نفذتها القوات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، وكان للأردن النصيب الأكبر من استقبال اللاجئين الفلسطينيين، وتشير الاحصاءات الرسمية لوكالة الغوث الدولية (الأونروا) إلى أن عدد هؤلاء اللاجئين في الأردن، حتى عام 2020، يقدر بـ2.4 مليون لاجئ فلسطيني، أي ما يقارب 42% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث الدولية في مناطق عملياتها الخمس (الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية و قطاع غزة) .
ومرة أخرى، في عام 1967 ونتيجة احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، حصلت موجة نزوح أخرى إلى الأردن، وقدر عدد النازحين حينها بألف نازح، وكان نصفهم يقطن في مخيمات الضفة الغربية أو قطاع غزة، واضطروا للجوء مرة ثانية خلال أقل من عشرين عام.
وخلال السنوات التي أعقبت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، استمرت عمليات النزوح إلى الأردن بالآلاف، بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلي من ممارسات للفصل العنصري، وهدم للمنازل والاستيلاء على القرى الفلسطينية، والسجن الإداري غير القانوني
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن
أنشأت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا 31 مخيما رسميا للاجئين الفلسطينيين الذين عبروا الحدود إلى دول الجوار (الأردن وسوريا ولبنان) في موجات الهجرة المتتالية التي أعقبت المجازر المروعة والمتكررة، فضلا عن إقامة عدد آخر من المخيمات غير الرسمية، لاستيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين.
وشكل اللاجئون الفلسطينيون في الأردن النسبة الأعلى من مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في مناطق عمليات الأونروا الخمس، ومما ساعد على سهولة اندماجهم في المجتمع الأردني، وجود سمات كثيرة مشتركة بين الشعبين والروابط العائلية القوية إضافة للسياسة التي أنتهجتها السلطات الأردنية بمنحهم الجنسية الأردنية وكافة حقوق المواطنة الأخرى، دون المساس بحقوقهم الأساسية في فلسطين بناء على اتفاقية الوحدة ما بين الضفتين وحقهم بالعودة والتعويض حسب قرار هيئة الأمم المتحدة رقم (194) لعام 1948.
يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في منطقة عمليات الأردن 2.275.589 ويشكلون ما نسبته 39.1% من عدد اللاجئين المسجلين في كافة مناطق عمليات وكالة الغوث الدولية، كما يبلغ عدد اللاجئين داخل المخيمات العشرة التي تعترف بها الوكالة 396.006 ويشكلون ما نسبته 17.4% من اللاجئين المسجلين بالأردن، بينما يبلغ عدد اللاجئين خارج المخيمات العشرة 1.879.583 ويشكلون ما نسبته 82.6% من اللاجئين المسجلين بالأردن. مع العلم بأن عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن يبلغ ثلاثة عشرة مخيما رسميا. [6] وتتوزع هذه المخيمات الرسمية في المملكة الأردنية الهاشمية ضمن ست محافظات على النحو التالي:
اولاً: محافظة البلقاء وتضم مخيم البقعة.
ثانياً: محافظتي العاصمة ومأدبا وتضم مخيم الوحدات، مخيم الحسين، مخيم الأمير حسن، مخيم الطالبية ومخيم مأدبا.
ثالثاً: محافظة الزرقاء وتضم مخيم الزرقاء ومخيم حطين، ومخيم السخنة.
رابعاً: محافظة اربد وتضم مخيم اربد، ومخيم الشهيد عزمي المفتي.
خامساً: محافظة جرش وتضم مخيم جرش، ومخيم سوف.
اللجوء العراقي
في 20 آذار من عام 2003، بدأ دويّ أولى الضربات الجوية المُعلِنة عن حرب الولايات المتحدة ومن تحالف معها على العراق. ولم يكن سقوط بغداد حينها، سوى نقطة في حرب استمرت إحدى عشر عامًا، دفعت آلاف العراقيين للجوء إلى دول المنطقة والعالم.
وكان الأردن من أول الوجهات التي اتخذها اللاجئون العراقيون في تلك السنوات، إلا أنه يصعب تحديد شكل وأرقام حركة اللجوء العراقي إلى الأردن، نظرًا لعدم استقرار حركة اللاجئين؛ فمنهم من بقي فيها، ومنهم من عاد إلى العراق، وقسم ثالث هاجر إلى دول أخرى، بحسب ممثل وزارة الهجرة في السفارة العراقية في عمّان، صفا حسين.
وبين عامي 2006 و2008، بلغت الهجمات الطائفيّة مستويات غير مسبوقة، ما جعلها "حقبة العنف الطائفي" بحسب تسمية الحكومة العراقية والكثير من التقارير الدولية ووسائل الإعلام. وبالتزامن مع هذه الأحداث، ازدادت حركة اللجوء إلى الأردن، بحسب صفا حسين، واصفًا إياها بأعلى نسبة لجوء دون عودة خلال الحرب، فيما قدرت مؤسسة "فاف" النرويجية المختصة بإحصاء عدد اللاجئين العراقيين في الأردن عام 2007 بـ 450 ألفًا.
بحسب كتاب صدر عن الحكومة الأردنية للسفارة العراقية مطلع عام 2014، كان يتواجد على أرض المملكة 87 ألف عراقي، منهم 30 ألفا سجلوا في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ولكن مع تمدد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بدأت موجة لجوء جديدة لم يعرف حجمها ووقعها بعد.[7]
أما أسباب اللجوء العراقي للأردن فهي كثيرة لعل أبرزها العدوان الأمريكي على العراق وما سببه من خسائر بشرية فادحة، وفقدان لسيطرة الدولة العراقية على أراضيها فانتشرت حالات القتل والسرقة والنهب، بالإضافة إلى ما خلفه من تدمير للبنية التحتية والخدمات العامة الأساسية، فلا شبكات مياه ولا كهرباء ولا صرف صحي ولا طرق ولا تعليم! وقبل أن ينتهي العدوان الأمريكي تماما برزت الهجمات الطائفية الطاحنة التي مارست أبشع الأفعال ضد المدنيين الأبرياء، كل هذه الأسباب دفعت بالعراقي للبحث عن ملجأ آمن يلوذ بأهله وأحلامه إليه.[8]
اللجوء السوري
تستضيف المملكة الأردنية نحو 1.3 مليون مواطن سوري، منهم ما يزيد عن 671 ألفاً من اللاجئين المسجّلين لدى الأمم المتحدة، ويقطن حوالي 10% منهم فقط، في مخيمات اللجوء، بينما ينتشر بقيتهم في المجتمع المحلي، وهو أمر نتج عنه انعكاسات سلبية متزايدة في ظل استمرار الأزمة السورية.
ولم تألُ المملكة جهداً في مدّ يد العون والإغاثة للّاجئين، انطلاقاً من القيم الإنسانية والمبادئ القومية، والرواسخ الدينية الماثلة في نهج القيادة الهاشمية، فهي التي لم تتوانَ تاريخياً عن تقديم المساعدة، وإغاثة الملهوف. وفي الوقت الذي تقوم به المملكة بهذا الدور بالنيابة عن المجتمع الدولي، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، وشحّ الموارد، والتحديات التي تواجهها في منطقة مليئة بالصراعات، فإنها تؤكد على الدوام بضرورة قيام المجتمع الدولي بدوره استناداً إلى المسؤولية الأخلاقية والقانونية والإنسانية إزاء أزمة اللجوء السوري غير المسبوقة.
لقد فرضَ تدفُّق اللاجئين السوريين إلى المملكة تحديات ضخمة على القطاعات المفصلية والمهمة في ظل تشارك الخدمات الأساسية والبنى التحتية ما بين المواطنين الأردنيين واللاجئين، الأمر الذي ألقى بمزيد من الأعباء على كاهل المؤسسات الرسمية. ورغم المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي، مشكوراً، إلا أنّ حجم تلك المساعدات لم يصل إلى المستوى المأمول.
وقد أظهرت أجهزة الدولة ذات الصلة، بالتعامل مع أزمة اللجوء السوري، احترافية واضحة، ومهنية عالية، وأثبتت الكوادر الأردنية إمكانياتها في التعامل مع هذه الأزمة وتبعاتها بطريقة استثنائية، من خلال تعاضد جميع المؤسسات الرسمية، ووضع الخطط والبرامج، وإنشاء لجان تنسيقية وطنية، واستحداث إدارات متخصصة للتعامل مع هذا الملف.
ويرى الأردن أنّ أزمة اللجوء السوري غير المسبوقة، ذات الأبعاد المختلفة والآخذة بالتنامي والاتساع سياسياً واقتصادياً وجغرافياً وإقليمياً ودولياً، تتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهتها، ولتخفيف تبعاتها الكبيرة على المجتمعات المستضيفة.[9]
مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن
أقام الأردن مخيم الزعتري ومخيم الأزرق للاجئين السوريين. واستضاف مخيم الزعتري، وهو المخيم الأكبر حجما وسعة، ما يقرب الـ80 ألف لاجئ، ويقع هذا المخيم على بعد 10 كيلومترات شرق مدينة المفرق شمال الأردن. بينما استضاف مخيم الأزرق، الذي يقع شمال شرق المملكة، 38 ألف لاجئ. ويعيش 18% فقط من اللاجئين في الأردن في مخيمات اللاجئين وتوزع البقية منهم على مدن المملكة ومحافظاتها.
التعاون بين الحكومة الأردنية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين
تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومة الأردنية والعديد من الشركاء الوطنيين والدوليين الآخرين من أجل توفير الحماية والمساعدة للاجئين وطالبي اللجوء، وكذلك للمجتمعات الأردنية المتضررة من وجود اللاجئين. فقامت الأردن بعد استضافة اللاجئين بشملهم بالأنظمة الوطنية مثل الصحة والتعليم، إذ يستطيع اللاجئ السوري، على سبيل المثال، العمل في قطاعات معيّنة تمكنه من الحصول على فرصة لكسب عيشه، كما تقدم المفوضية المساعدات النقدية بشكل منتظم لأكثر من 200 ألف لاجئ في المخيّمات والمناطق الحضرية، ممن هم الأشد ضعفاً، وذلك لمساعدتهم على تأمين أساسيات الحياة.
وعبر السنوات، وبدعم من الحكومة والجهات المانحة والشركاء، قامت المفوضية بإدراج العديد من الحلول المبتكرة لتسهيل وصول اللاجئين إلى الخدمات، فعلى سبيل المثال، دخلت المفوضية مؤخراً في شراكة مع عدد من الجهات لبدء توزيع المساعدات النقدية من خلال المحافظ الإلكترونية، فأدرجت الغالبية العظمى من اللاجئين في الأردن في هذه التكنولوجيا، بهدف منحهم المزيد من المرونة والأمان والتحكم في المساعدة التي يتلقونها من المفوضية. ومن خلال مكاتب المفوضية الثلاثة القائمة في عمّان والمفرق وإربد، فإن لها حضور ثابت في جميع أنحاء المملكة مع وجود ما يقارب ال500 موظف. وتقود المفوضية في أكبر مخيمين للسوريين، الزعتري والأزرق، مجموعة من الأنشطة والخدمات، بما في ذلك تنسيق المخيمات وكثير من الخدمات المجتمعية من مثل الأمن والحماية، وتوفير سبل العيش، والمأوى، والطاقة.
وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على الأزمة السورية، برزت أزمات التمويل والدعم المادي للاجئين في الأردن؛ لكن المفوضية تعمل مع الحكومة الأردنية والشركاء والجهات المانحة لضمان استمرار وصول الخدمات والدعم الإنساني والتنموي للاجئين بشكل دائم.[10]
لجوء الجنسيات الأخرى
لجأ اللبنانيون إلى الأردن بسبب الحرب الأهلية عام 1975، وانتشروا في معظم المدن وخاصة مدن الشمال الأقرب إلى الحدود، لكن وجودهم الآن غير ملحوظ كما هو حال أبناء الدول العربية الأخرى كمن لجأ من الشعب الليبي، والشعب اليمني بعد أحداث ما يسمى بـ" الربيع العربي" في بلادهم. آخر من لجأ إلى الأردن كانوا ضحايا حرب السودان وما نتج عنها، وإن كانت نسبتهم غير مرئية للعيان مقارنة مع الجنسيات الأخرى.
والحديث عن الجنسيات المتعددة في الأردن يقودنا، وإن كان بشكل مختلف، للحديث عن الجالية المصرية التي لا يقل تعدادها في الأردن عن مليون إلى مليون ونصف من الأيدي العاملة معظمها غير حرفية، يعملون في الخدمات والزراعة والحراسة وغيرها.
وللاجئين في الأردن حضور واضح في الساحة الأردنية، فلهم طيف في المدارس والمساجد والأحياء السكنية والمستشفيات، وفي كل مجال تقريبا، يشاركون أبناء الأردن الرغيف والمحبرة والحلم وحب البلاد، يحلمون جميعا بعيش كريم آمن، وبوطن عزيز يكون فيه الإنسان أغلى ما يملك!
الخاتمة
شهد الأردن موجات لجوء عديدة، بدأت من أيام الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين واستمرت حتى يومنا هذا؛ وتزايدت مع مرور الزمن وتفاقم الأزمات الإقليمية في المنطقة، فبعد وصول الشركس والشيشان، ظهر العدوان الإسرائيلي، واندلعت النكبة 1948 ثم تلتها النكسة 1967، فلجأ الفلسطينيون، بأعداد كبيرة، إلى الأردن في المرحلتين. ومع بداية 2003 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف، حربا على العراق، أدت إلى خروج عدد من العراقيين لاجئين إلى وجهات عدة كانت الأردن أولها. ثم ظهر الربيع العربي، فتدفق عدد كبير من اللاجئين إلى الأردن فرارا من الأوضاع السيئة في بلادهم، فاستقبل الأردن عددا كبيرا من اللاجئين السوريين وغيرهم من قَدِمَ من ليبيا واليمن وغيرها من البلدان العربية التي عاشت اضطرابات سياسية وأمنية خطيرة. وكانت أسباب اللجوء تتنوع بين الاضطهاد السياسي، والنزاعات العسكرية، والظروف الاقتصادية الصعبة.
وتمثل موقف الحكومة الأردنية من موجات اللجوء المتعددة بفتح أبوابها للاجئين واستضافتهم، مع تقديم الخدمات الأساسية والرعاية اللازمة لهم، بالإضافة إلى، اتخاذ سياسات لاستيعابهم، وإجراءات لتوفير الدعم اللازم لهم، بمساعدة المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين. إلا أن الأردن واجه تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية، نتيجة أزمات اللجوء، أثرت تأثيرا كبيرا على المجتمع الأردني.
وفي محاولة تحقيق فهم أعمق للتحديات والفرص التي يشهدها الأردن، والمجتمع الدولي، في التعامل مع قضايا اللجوء والهجرة بشكل عام، تكمن أهمية الوقوف على أسباب هذا اللجوء، واختيار الأردن، على وجه التحديد، للجوء إليه، عن طريق تحليل تجارب اللاجئين، مع مراعاة خصوصية كل فئة منهم، وكيفية التعامل معها، وآلية إدارة أزمتها.
المصادر والمراجع
- أصل الشركس. (2024). https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=5067
- السكان في الأردن. (2020). https://fanack.com/ar/jordan/population-of-jordan/
- منظمة العفو الدولية. https://www.amnesty.org/ar/what-we-do/refugees-asylum-seekers-and-migrants/
- اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين / المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. https://www.unhcr.org/ar/4be7cc27201
- عدوان، عصام (2011). "مفهوم اللاجئ الفلسطيني بين القصور والشمول". مجلة التاريخية الفلسطينية، العدد (1)، ص3.
- العراقيون في الأردن: 11 عامًا من اللجوء المتجدد. (2014). https://www.7iber.com/2014/12/iraqi-refugees-in-jordan-11-years
- إكرام المشهداني (2007). لماذا يهرب العراقيون خارج وطنهم ، مجلة البيان ، لندن ، عدد 241، ص81 .
- المفوضية السامية لشؤون اللاجئين https://www.unhcr.org/ar/countries/jordan
-
دائرة الشؤون الفلسطينية / الأردن . https://www.dpa.gov.jo/Ar/List/